مُتهمة بالتنمر.. تهديدات أمريكية تُزعزع قواعد التعاون الدولي لمواجهة أزمة المناخ
مُتهمة بالتنمر.. تهديدات أمريكية تُزعزع قواعد التعاون الدولي لمواجهة أزمة المناخ
تتصاعد الاتهامات الموجهة إلى الولايات المتحدة باتباع أساليب "التنمر" لإفشال اتفاقية الانبعاثات الصفرية، وفق ما نسبته "فايننشيال تايمز" لمسؤولين يرون أن "التهديدات" الأمريكية زعزعت قواعد الدبلوماسية العالمية، ويكشف هذا السلوك كيف يتحول العمل المناخي إلى ساحة ضغط سياسي يطغى فيه النفوذ على التزامات الحماية البيئية، مما يضع حقوق الشعوب في بيئة آمنة على المحك.
ويعمّق هذا الاتهامُ الفجوة بين الدول الصناعية الكبرى والدول الأكثر هشاشة، خاصة أن قطاع الشحن الذي يدير 80% من التجارة العالمية ويصدر نحو 3% من انبعاثات الغازات الدفيئة، يُعد محورًا أساسيًا في أي خطة للحد من الاحترار العالمي.
وتوضح "رويترز" أن الولايات المتحدة هددت باستخدام "قيود على التأشيرات والعقوبات" ضد الدول التي تصوّت لصالح إطار المنظمة البحرية الدولية للحد من الانبعاثات، وهو ما يعكس -بشكل مباشر- صدامًا مع مبادئ العدالة المناخية القائمة على تقاسم المسؤوليات لا فرض العقوبات.
ويضيف التقرير أن وزراء الخارجية والطاقة والنقل في الولايات المتحدة أكدوا رفضهم "القاطع" للاقتراح، معتبرين أنه يفرض "نظامًا ضريبيًا عالميًا غير مصرّح به" ويحمّل الأمريكيين تكاليف إضافية، غير أن مؤيدي خطة المنظمة البحرية الدولية شددوا على أن غياب تنظيم عالمي سيعني مواجهة القطاع "تناثرًا في اللوائح" وارتفاعًا في التكاليف "بدون تحقيق خفض فعّال للانبعاثات"، ما يعيد النقاش إلى سؤال جوهري: هل يحق لدولة واحدة تعطيل مسار دولي بدعوى حماية اقتصادها؟ هذه النقطة بالذات تمثل لبّ المدخل الحقوقي، إذ تتعارض مع حق الدول خاصة الفقيرة منها، في نظام مناخي يحمي مستقبلها من الكوارث المناخية التي تتسارع وتيرتها.
فجوة بين الالتزامات والواقع
يتخذ المشهد أبعادًا أكثر تعقيدًا حين يدخل كبار منتجي الوقود الأحفوري على الخط، حيث تكشف "فايننشيال تايمز" كيف أيّد الرئيس التنفيذي لشركة توتال إنرجيز، باتريك بويانيه، سيناريو إطالة عمر الوقود الأحفوري، خلال مشاركته في COP30 في بيليم، مؤكدًا أن تحديث وكالة الطاقة الدولية -الذي يرى إمكانية ارتفاع الطلب العالمي على النفط والغاز خلال 25 عامًا في حال عدم إحراز تقدم حكومي- هو "واقعي".
ويواصل بويانيه الدفاع عن هذا السيناريو بقوله: "أنا، لكي أتقدم، عليّ أن أنظر إلى الواقع"، موضحًا أن الهدف من السيناريوهات ليس الالتزام بها بل "اعتبارها خط أساس"، وتشكيكه في قدرة العالم على الوصول إلى "صفر انبعاثات صافية" يعكس -كما أوردته الصحيفة- حدود الجهود التقنية والاستثمارية والجيوسياسية، بل إن بويانيه اعتبر أن الوصول إلى الهدف يحتاج "اتحادًا مقدسًا بين جميع الدول"، وهو ما "لا يلاحظه في الواقع".
ويتجنب بويانيه الإقرار بآثار تغير المناخ الناتج عن حرق الوقود الأحفوري، رغم أن العلماء، يؤكدون أن إعصار ميليسا الذي ضرب جامايكا الشهر الماضي أصبح حدوثه أكثر احتمالًا بست مرات بسبب أنشطة البشر.
ويجيب بويانيه بعبارة دالة: "لست عالمًا، لذا لا يمكنني الحكم"، قبل أن يضيف أن العالم قادر على إبقاء الاحترار عند 2.4 أو 2.5 درجة. هذه الجملة وحدها تعكس الفجوة بين ما يصر عليه العلماء للوصول إلى 1.5 درجة، وبين مواقف قادة الصناعات المسببة للانبعاثات.
ويتزامن هذا الموقف مع تصاعد التهديدات القانونية ضد شركات النفط، ومنها توتال وشل، استنادًا إلى أدلة متزايدة حول ارتباط حرق الوقود الأحفوري بالظواهر المتطرفة، وتشير الصحيفة إلى أن توتال خسرت قضية تضليل بيئي في فرنسا الشهر الماضي، ما يضاعف الضغط الحقوقي على هذه الشركات.
صراع المصالح
يتحدث بويانيه أيضًا في فعالية شاركت في استضافتها رئاسة"كوب30"، ليؤكد دعم توتال لمبادرة إزالة الكربون التي وقعت عليها 50 شركة في "كوب38" بدبي، منها "بي بي"و"إكسون موبيل"وتمثل الشركات الموقعة، المنضوية ضمن "ميثاق إزالة الكربون"، أكثر من نصف الإنتاج العالمي وتتعهد بخفض انبعاثات الميثان بحلول 2030 إلى "قريبة من الصفر"
ورغم هذا الخطاب، يشكك بويانيه في جدوى فكرة خارطة الطريق التي يدفع البرازيليون لاعتمادها لفصل الاقتصادات عن الوقود الأحفوري، معتبرًا أنها :رؤية أوروبية” لطريقة عمل الحكومات، ويقدم نفسه في الوقت نفسه كمدافع عن المشاركة في القمة بقوله: "وإلا، سنبقى في زاويتنا الخاصة وننتج البنزين ولا نشارك.. ليس هذا هو الهدف".
لكن حضور الشركات لا يبدو بريئًا كما يوحي، فبحسب تحليل منظمة"جلوبل ويتنس"، شكّلت جماعات الضغط في قطاع الوقود الأحفوري "نسبة قياسية" هذا العام، بلغت 1600 مسجل من أصل 56000 مشارك، وتشكل هذه الأرقام،سياقًا دالًا على تأثير مباشر وممتد لقوة الشركات في مسار التفاوض المناخي، مما يعقّد إمكانية حماية الحق في بيئة سليمة من دون تضارب مصالح.
وتبرز كذلك مشاركة بنوك كبرى مثل "بي إن بي باريبا" و"ستاندرد تشارترد" و"دويتشه بنك"، إضافة إلى "بنك أوف أمريكا"، في سياق تطوير أسواق الكربون ورأس المال الطبيعي، وتكشف "فايننشيال تايمز" أن شركات تجارة السلع كانت حاضرة أيضًا، بما فيها "كارجيل" و"ميركوريا" و"لويس دريفوس"، ما يضع المؤتمر في مشهد يمتد من السياسي إلى المالي، ومن الحكومي إلى الخاص، ويعكس شبكة مصالح متداخلة لا يمكن عزلها عن مصير السياسات المناخية.
المواجهات الدبلوماسية
تعمّق رويترز هذا المشهد بإضافة زاوية أكثر حدّة: تهديد الولايات المتحدة بفرض قيود على التأشيرات والعقوبات، بل وحتى منع السفن التي تحمل أعلام الدول المؤيدة لخطة المنظمة البحرية الدولية من دخول الموانئ الأمريكية.
وتوضح الوكالة أن وزراء الخارجية والطاقة والنقل اعتبروا أن المقترح "يزيد التكاليف على المواطنين" ويفرض"عقوبات مالية عقابية وتراجعية"، ويبدو أن واشنطن تنقل المعركة من طاولة التفاوض إلى أدوات الضغط المباشر، في مسار يكشف التوتر بين حماية المناخ وحماية المصالح التجارية.
ويشير مؤيدو الاقتراح إلى أن غياب الاتفاق سيؤدي إلى "تناثر في اللوائح" وارتفاع تكاليف غير فعال، بينما يصر الجانب الأمريكي على أنه "لن يتسامح" مع السياسات التي يقودها "النشطاء".
وتعكس هذه السياسات، توجّهًا يقوم على معاقبة الدول التي تدعم التزامات مناخية تُعد أساسية لحماية ملايين البشر من تداعيات الاحترار العالمي، وهو ما يصطدم مباشرة بالمبادئ الحقوقية التي تؤكد أن البيئة السليمة حق لا يخضع للابتزاز السياسي.
يُظهر دمج ما نشرته فايننشيال تايمز ورويترز صورة مكتملة عن عالم منقسم بين مسار دولي يسعى للحد من الانبعاثات ومسار آخر يقوده نفوذ سياسي واقتصادي ضخم يعرقل هذا التوجه، وتكشف المعركة حول اتفاقية الشحن البحري، وكذلك تصريحات قادة شركات النفط الكبرى، عن صراع تتشابك فيه المصالح إلى الحد الذي تتحول فيه حقوق الملايين في بيئة آمنة إلى ورقة تفاوضية.











